top of page
شعار مداد.png

ابتدأ بصفر.. وانتهى بالصفر

2005م/ الاسم: خمسة.

انطلق على البساط الأخضر في المرج القريب من منزلهم، لتقف خلفه امرأة تتأمّل ضحكاته وكأنّها المرّة الأخيرة لاجتماعهما.

أوقف شرودها إقباله عليها حاملًا بيده زهرةً بيضاء مالت بساقها إلى أن ذبلت بتلاتُ شبابها، قابلته بصفعةٍ مفاجئة على وجهه، لتصرخ في وجهه بوحشية: لمَ قتلتها! ألم أُنبّهك سابقًا، إيّاك وقطفها من موطنها!

ظلّ مصدومًا من قسوتها في استقبال هديّته، حتّى أخرجَ صوتَ ألمه، ببكاءٍ هربت الطيور من سماعه، فقرفصت أمامه وقد شعرت بالذنب بعدما فعلت، مسحت على شعره شارحةً موقفها: لم يكن انفعالي، سوى لأجلك، فهل ترضى أن يقطفني أحدهم من المنزل؟ إن قطفني فسأموت، فهذا موطني وهنا زُرعت.

شهقات نهاية بكائه قد بدأت تتحدّث، بينما يمسح وجهه بذراعيه، ليبقى اللون الأحمر صابغًا الأنف والخدّين، ما دعاها للضحك على مظهره، لينضمّ الصغير إليها لاحقًا.


2013م/ الاسم: ثلاثة عشر.

انتظر عند الباب لحظات، حتّى أطلّت المرأة من خلف الباب أخيرًا، لتطمئنه بأنّ ولادة أخيه قد تمّت، لكن سيبقى في قُمعه لوقت حتّى يكتمل ويصل إلى مرحلة النضوج.

ولج للداخل، ليقف أمام أمبوبٍ زجاجيّ مغلق من الجهتين، متأمّلًا هلامًا صُبغ بالأخضر، تحوم في السائل بحريّة، مشيرًا بإصبعه عليها، وقد سكن الانبهار عينيه: يتحرّك!

ضحكت بخفّة لتجيب: أجل، اسمه الآن (عشرة)، مختلفٌ عنك قليلًا، فقد استطعت الخروج من حافظتك في أول اسم لك (صفر).


2019م/ الاسم: تسعة عشر.

قامت بربط ربطة العنق، لتنفض ذرّات الغبار الملتصقة عن سترته، متحدّثة إليه: حان الوقت لتكتشف العالم الجديد، بعيدًا، حيثُ يعيشُ آكلي الجنس الأخضر.

ارتعش خوفًا، عند سماعه لكلمة الجنس الأخضر، متسائلًا: سيأكلونني!

ضحك من خلفها فتًى أصغر سنًّا منه، وقد أطلق سخريّته: لا تخف، فقط حاول أن تتحدّث أكثر، كيْ لا تؤكل.

ارتعد الأكبر فرمقت الصغير بحدّة، مطمئنةً قلبه: ليس عليك القلق، فأنت أقوى من تلك الكائنات، وإن شعرت بعدم الرّاحة عُد إلى هنا فورًا.

-اعتني بأخويّ.

انطلق برحلته، بعيدًا عن بيته لأوّل مرّة، والأخيرة ...


2022م/ الاسم: خمسة.

شهق محاولًا سحب كميّة كافية من الهواء لتغذية رئتيه بثاني أكسيد الكربون، لتأتيه المرأة بالجهاز الدّاعم للتنفّس، وقد ألصقته بمحيط أنفه وفمه، تديرُ عجلته وتمدّ الصغير بحاجته للحياة.

هنا دار حديثٌ مطوّل بينهما، بدأ به الفتى الأخضر: (عشرون) (واحد وعشرون)، لمَ أرسلتهما؟

بقيت صامتة إلى أن استجمعت قوّاها لإجابة: لأنها مهمتكم.

شهيق زفير، ثمّ سؤال: مهمّتنا الموت؟ قطفتني من بيتي، وها أنا أحتضر!

هدوء، يتبعه صوتها: لكنّك اكتسبت القوّة في البداية، أصبحت مشعًّا بسبب موتهم..

- والآن في أوج شيخوختي، بسبب قضائهم على خلاياي بأدويتهم، أضحيتُ باهتّا!... فمن نحن بالنسبة لكِ؟

- أنتم أدوات استطعت من خلالها التقليل من البشر بشكل غير مباشر، الموارد الطبيعية في المستقبل لن تكفي لإشباع أفواه العالم بأكمله.

ارتسمت ابتسامته على إجابتها الصريحة، وللمرة الأولى، متحدّثًا بمشاعرَ انكشفت حقيقتها الآن: أنا أكرهكِ.

ابتسمت له بحنيّة صفراء، مُدليةً بآخر حقيقة: نحن من صنعنا الترياق.. كما صنعناكم.

جارا صدمته بابتسامةٍ ساخرة، سرعان ما كُسرت، محطّمةً حاجز الصمود، ليبدأ جسده بالتلاشي، والنزول بالأسماء رويدًا رويدًا، بينما يختتم حديثهم بسؤالٍ أخير: إذًا، كنّا السمّ.

تحرّكت شفتاها ملاحقة ما بقي من جسده: كنتم، الكورونا بأطوارها


2023م/ الاسم: صفر ...


ميمونة قاسم



٣٣ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

bottom of page