وكأن بؤس العالم تملّكها قالت: تخيل مدى ضعفي وعجزي، عجزت عن حل أبسط مشاكل حياتي الخاصة، والآن أنا هنا العالم يطلب مني أن أحل مشاكله، أن أمر خلال اليوم بوجهٍ واحد، أن أرضى بالقليل وأن أقتنع أنه لا مكان لي بالقمة.
صمتت تبتلع عبراتها قالت متابعة تسابق الهواء لكيلا يسرق كلماتها فتعجز عن التعبير أيضًا، تعجز عن إيصال ألمها للواقف أمامها؛ قالت بصوتٍ يملؤه السخرية والألم في آن واحد؛ هل سيسمح لي الجميع براحة ليوم واحد؟ أن أكون كما أنا بلا مثالية وبلا إنجاز يذكر!
يكفي أن يذكر اسمي فقط بلا ألقاب تصاحبه كأغلال تجره جرًا للسجن، سجنًا يدعى الحياة وظل اسمي تائهًا بين جدرانه.
هل طلبي لتلك الأمنية اليتيمة صعب؟ أمنيتي كطائر كُسِرت جناحاه ظلمًا وبهتانًا فأمسى غير قادر على الطيران وأصبحت صيحاته كأعزوفة حب تكسر سكون المنزل الذي أبقاه أهله عندهم، يؤنس وحدتهم بصيحاته المتتالية، صيحاته التي تطلب حقه بالرحيل.
كم أشرقت شمس وأطل قمر عليّ في تلك الغرفة الباردة، أتجرع الوحدة بألم، أقاسي مراراتها في لساني فلا أقوى على الحديث، أمسى الخوف كممر شائك أجر إليه جرًا، أمشي عليه بأقدام عارية، أكمل سيري وعندما أصل للنهاية أحسب أني وصلت لبر الأمان، وأن الخلاص هنا يظل الواقع المر بابتسامته الصفراء يقابلني بلا استحياء يجعلني أتجرع الوحدة وأتنزه في ممرات الخوف ليلة بعد ليلة.
نظرت إليها وإلى تماسكها؛ لم يفضح أمرها سوى عينان أرهقهما السهر ووجهٌ ترى ويلات الزمن مرت عليه، كيف لوردة عمرك الصغير أن تذبل هكذا؟! أجابتني بسكون العالم. العالم هزمني وأسقطني من فوق هوة الجبل الزائف الذي كنت أحتمي به.
أخضع العالم جماح أمنياتي وجعلني أردد أن العيش لا طائل منه، وأن الموت ضيف عنيد فهو لا يزور من يريده ويأتي لمن يحتمي خلف حصون منيعة لكي يمنعه.
نظراتها التي كانت تمثل الخيبة، القسوة، واللطف في آن واحد؛ أنبتني نظراتها على صمتي في وجه مدافع كلماتها وعبراتها التي أبت التوقف.
لم تكن تلك الفتاة سوى أنا وما كان يقابلها بصمت ما هو إلا انعكاس خاوٍ لمرآتي، التي تعكس ضعفي وخيبتي في كل هدا العالم، العالم لم يدعني أموت لم يجعلني أجوع ولا أشعر بالبرد؛ بل جعلني عاجزًا عن الشعور بالأمان، جعلني أشعر بالخيبة في كل خطوة أخطيها، كل ابتسامة أهديها لها معنى وكل حرف تخطه يداي يدل على كسرة قلب جديدة ألمت بي بعد أن غرزت الغرزة الألف لأجعل قلبي ينبض مرة أخرى ويعلن عودته لمضمار الحياة في سباق آخر.
سمية الورثان

Comments