في زمنٍ كان الحبرُ يشكل عطراً نادراً فقط لصاحبه، مرشوشٌ بتلك الأحرف المنتشرة بكلمات يفوح عبيرها بالأرجاء من زهو الإنجازات، وغزل الأحباء، ووصل من الصداقات، وترقية وعلاوات، وتبشير بالزفافات، كانت تلك البرقيات مصدرا للعديد من السعادات التي تمتلئ بها وجوههم، وتلمع بها أعينهم وتشدوا بها أصواتهم، كل ذلك كان يحدث عندما أطرق تلك الأبواب لأمد لهم تلك الرسائل التي لطالما كانت أكثر من ذلك لديهم، فعملي كساعٍ للبريد قد أضفى لربيعي التاسع عشرة ربيعا زاهيا يفرح به كل من في القرية.
- نادر، ألم تكف عن توصيل الرسائل الأسبوعية لغريب الأطوار.
قالها لي يزن وهو يشير نحو منزل عتيق ذو سور غريب الشكل، مكتسية جدرانه ألوانا باهتة تنطق بالأزمنة التي مرت بها، لأجيب:
-أعرف بأن أهل القرية لم يستطيعوا قبول وجوده لقلة اختلاطه بهم، وشدة غرابته، لكن هذا لا يعني بأنني لا أوصل إليه بريده في منزله، فهذا عملي!
- ألم تشعر بالخوف في كل مره تطرق بابه! وتسمع صداه بين جدران سكنتها أشباح، لا تقل لي بأنك لا تصدق تلك القصص التي سمعناها؟
-يزن أعتقد بأنك على حق بعيداً عن ولعك بكل تلك التفاصيل الخرافية مع ذلك، يجب عليك أن ترأف بحالك، فمنذ أن اختفى صديقنا هارون وأنت تراقب هذا الرجل، ولا ألقي اللوم على شكك به فحتى أنا لا أشعر بالراحة حيال أمره، لكن صدقني بأن هارون قد ذهب إلى المدينة أو ما شابه، صحيح، ألم تقم بزيارة أخيك الذي انتقل حديثاً للقرية المجاورة؟
-حتى الآن لم أقم بزيارته ، يا إلهي قد مضى وقت طويل جداً وانا لم أره.
صمت قليلاً بعدما خيّل لي بأنه قد نسى موضوع ذلك الرجل حتى استطرد: أنا متأكد بأن له علاقة بذلك الرجل ذو الشعر الأشعث والهندام غير المرتب، فهارون لن يذهب من دون أن يخبرنا وهذا اليوم هو الثالث بعد غيابه، كل ما يدور حول ذلك الرجل هو الغرابة، أتدرك بأنه لا يضيء مصابيح منزله في الليل؟
-لا تقل لي بأنك تخرج بالليل أيضا لتراقبه؟
-بالطبع سأخرج، فصديقنا قد اختفى ولن أقف مكتوف الأيدي أمام رجل تدور التهم حوله، لكن قبلها سأسألك، ما نوع الرسائل التي توصلها له؟
-غالباً ما تكون مغلفه بورق بني اللون والختم ذاته لا يتغير، لكن هناك شيء غريب لاحظته.
رد وأعينه تتلهف لمعرفة ما سأقول : ما هو؟
لأجيب: يوجد بجانب الختم نجمة ذهبية اللون إذا كان الطرد كبيراً، ولا ترسم على الرسائل، وأكثر ما يزيد حيرتي هي تلك الطرود التي أحملها، تبدو في الغالب ثقيلة نوعاً ما، كم أودّ أن أرى ما بداخلها.
-ماذا عن طرد اليوم، أهو ثقيل كذلك؟
أخذت الطرد بين يدي ومررته له قائلاً: اليوم مختلف تماماً، أعتقد بأن ما بداخله شيء آخر غير المعتاد.
-اعتقد بأنها دليل على أمر ما، صدقني هذا الرجل..
توقفت لبرهة أفكر ما إذ كان حقاً له علاقة باختفاء هارون أم أن هذه الأفكار مجرد شكوك واهمة لأقول: ما رأيك بأن نقطع شكوكنا به برؤيتنا سوياً ما إذا كان يخفي شيئاً ما؟
ليقول بكل حماس : كيف سنفعل؟ ما الخطة؟
وماهي إلا لحظات حتى واتتني فكرة ذكية لأخبر بها يزن لتنفذ الآن !
بغضون دقائق عديدة من الحديث والتخطيط أمام منزل غريب الأطوار، وجدت نفسي بعدها أمام الباب الخشبي أطرق حتى فتح الباب ليخرج وبيده كوب من القهوة السوداء وأدخنتها المتصاعدة قد أعطت هيئته المبعثرة دليلاً على أنه للتو استيقظ من نومه، ليمرر يده على شعره البني ويقول: أرى بأن طردي قد تأخر يا ..
صعقت من تعليقه فلأول مرة يتحاور معي ويريد أن يعرف اسمي! وأيضاً لم أعلم أبداً بأنه يراقب وقت مجيئي له لأجيب بشيء من التردد: نادر.
-حسناً يا نادر، أعتقد بأن لديك موعداً محدداً للتسليم، فلم تأخرت؟
تلعثمت قليلاً وقبل أن أجيب أكمل حديثه متجاهلاً ما قاله سابقاً: أين الطرد اليوم؟
-إنه هنا في الدراجة، أمهلني لحظة.
رد بتجهم: بالطبع.
التفت لأجلب الطرد من المقعد الخلفي للدراجة، وما أن حملته بيدي لأمده له حتى أحسست بجذب قوي انتشل مني ذلك الطرد بحركة خاطفة، لكن ليس من قبله ! بل من قبل شخص ذو قناع أسود اندفع بيننا، إنه سريع ويبدو بأنه متجه نحو البحيرة، لم يستطع الرجل الغريب الأطوار أربعيني العمر بأن يسبق ذلك الشخص ولا أن يقترب منه حتى بعكسي، أكملت الركض خلف الشخص المقنع وأنا ألتفت نحو الرجل الغريب الاطوار بصوت متقطع أنفاسه: لا تقلق يا سيد .. أنا سألحق به.
-سيد حسام.
-سآتيك به يا سيد حسام.
قلت ذلك وأنا لا زلت في ركض مستمر خلفه حتى غيّر مساره ليتجه لداخل الغابة المحيطة بالقرية، وما أن أكملت الركض هناك بين تلك الأشجار، توقفت قليلاً أستعيد نفسي لأسمع صياح السيد حسام من خلفي بـ: أين طردي؟
-لم أستطع أن أصل إليه، من فضلك سامحني.
-ذلك الطرد مهم جداً لدي، ألا تفهم؟
نظرت بحزن نحوه لينطق: لكن لا ذنب عليك، فأنت قمت بمهمتك، الآن كيف لي أن أقوم بذلك..
وهذا آخر ما تمتم به وهو يمشي مبتعداً نحو منزله، بينما بقيت أنا أمشي بداخل تلك الغابة حتى اختفت معالم القرية من حولي، لأنتظر، لكن من أنتظر؟!
ماهي إلا دقائق حتى تحدث من خلفي ببهجة:
-نادر نجحت الخطة.
التفت لأرى يزن وبيده القناع فوق الطرد لأهتف: بالطبع نجحنا وهذا الطرد سيكشف لنا ما يخفيه ذلك الرجل دون شك.
-سأفتحه الآن.
قالها وهو ينتزع الورق البني بكل سرعة ليظهر لنا صندوق صغير ليفتحه ونرى:
-مفتاح!
-ولماذا يصله مفتاح معلق بقلادة بالأصل؟
قالها يزن بحيرة كبيرة كما احترت أنا بدوري، لتجول الأسئلة بعقلي وتتمركز في: لمَ يقول بأنه طرد مهم جداً وهو مجرد مفتاح، وماذا سيفتح يا ترى؟
ليقطع حبل تفكيري يزن بصوت مختلف: سنقتحم منزله الليلة.
-هل جننت؟ قلنا سنفعل ذلك؛ لنرى ماذا يخفي ورأينا بأنه يملك مفتاحا وربما ...
قاطع كلامي بصوت مرتعب بـ: ولا تعلم أيضاً أن يكون ذلك المفتاح له علاقة بمنزله المشؤوم وربما لا يزال هارون هناك.
صمت قليلاً أفكر فيما قاله، هو على حق، أمر المفتاح غريب جداً، هل حقاً يخفي شيئا ورائه؟
كيف سنقتحم منزله؟
قلت ذلك والدهشة اعتلت وجهه لموافقتي على فكرته لكن قبل أن ينطق أكملت: بشرط أن لا نقع بمشاكل كبرى، وأن لا نراقب الرجل ونشتبه به إن لم نجد شيئا بمنزله، أسمعت؟
-بالتأكيد.
-أذكر أنك قلت سابقاً بأنك راقبت منزله بالليل، هل لاحظت شيئاً ما غير أن المنزل يبدو مهجوراً ؟
-هنالك باب خلفي وكان مفتوحاً وهذا ما زادني ريبة .
- ولم ترددت بالدخول حينها؟
-لا أعلم، سمعت أصواتا غريبة أرعبتني، لأبتعد وأكتفي بالمراقبة فحسب.
-حسناً، التقاؤنا سيكون الليلة الساعة 11 مساءً، أذلك جيد؟
-بالتأكيد، وسنقتحم المنزل من الباب الخلفي لنرى قصة هذا المفتاح والرجل الغريب الأطوار حسام.
كانت تلك الكلمات الأخيرة التي قالها يزن قبل أن نفترق، ونكمل يومنا بكل هدوء؛ لكي لا نثير الريبة من حولنا على أمل لقائنا عند المنزل الغامض وصاحبه الأكثر غموضاً في هذه الليلة، وفعلاً ما إن حانت الساعة ال11 مساءً ونحن مختبئين بمكان حوله وكنت قد جهزت نفسي بسكين صغيرة بالجيب الخلفي ومصباح صغير، ولا أعلم لماذا، ربما لأن الخوف تملكني.
همس خفيف باسمي: نادر أنت مستعد؟
رددت بخوف مخفي: بالتأكيد ، مهلاً ..
-ماذا؟
أخذت أتحسس قلادة المفتاح حول رقبتي لأطمئن وأقول : حسناً، هيا ننطلق فحسب.
توجهنا بكل حذر خلف المنزل لنرى الباب وكل دعواتي بألا يكون الباب مقفلاً، ولحسن الحظ كان مفتوحاً ومضينا بداخله.
-ما تلك الرائحة الشنيعة؟ أشبه بروائح حيوانات ميتة.
شددت على قميص يزن لكي يخفض صوته فنحن الآن بمنزل حسام ولسنا خارجه !
ومما أثار حيرتي هو الظلام الدامس بجميع أنحاء المنزل فلولا المصباح الذي بحوزتي ما كنا لنرى شيء وأيضاً، أين سيكون هو؟ فلا مجال لعيش إنسان هنا مع تلك الروائح وهذا الظلام.
صوت خطوات قادمة من على سلم خشبي عتيق، جذبت يد يزن وأطفأت المصباح لننسجم تماماً مع عتمة هذا المكان خوفاً، لنرى ضوءا باهتا كسر ظلمة ما حولنا ثم اختفى.
-أرأيت ذلك؟
-نعم يبدو بأنه سمع ضجيجا ما فخرج من ذلك الباب ثم أغلقه، يبدو أنه باب قبو فلنذهب إليه.
استوقفته لأستوعب فقط ما حدث، أيعقل بأنه كان بالقبو طيلة تلك الليالي؟
-لكن ألا ترى بأنه من الخطر أن نذهب نحو قبو مجهول وبه ذلك الرجل، ماذا لو أنه أبلغ رجال الشرطة ماذا ستفعل حينها؟
-لن أتراجع الآن، جئت من أجل صديقي ويجب أن نتشجع، لا تفسد ما عملنا من أجله يا نادر
وافقت على مضض، واتجهنا نحو ذلك الباب، إنه مغلق؟ كيف ذلك؟
أخذت أفكر ما إذ كان قد أقفله من الداخل متعمداً، لم يترك لي يزن لحظة لأبدي جميع تساؤلاتي تلك حتى أشار إلى المفتاح الذي بحوزتي لكي أقوم بفتح الباب والمفاجأة بأنه قد فتح !
سلم آخر ممتد نحو الأسفل وإضاءات خفيفة في آخره، برودة المكان مخيفة جعلتني أرتعش بخفة وأتنفس ذلك الصقيع، تقدمني يزن وأنا خلفه، والروائح تزداد في ذلك المكان حتى وصلنا إلى غرفة واسعة لكنها ليست كأي غرفة.
يبدو أنه مختبر ما أو مجزرة لم أعد أستطع تمييز ما حولي، أوعية زجاجية كبيرة وأجساد بشرية تسبح بداخلها، أعضاء محفوظة بعلب زجاجية، جدار يحوي كل أنواع السكاكين بأحجامها، وأيضاً رؤوس معلقة، مهلاً لا تقل لي ذلك رأس ..
صحت بهيسترية : نعم إنه رأس هارون، يزن يجب أن نخبر الشرطة حالاً .
وما إن هممت بالالتفات نحو يزن إذا بي أشعر بضربة قوية وألم غريب، وضعت يدي لأتحسس رأسي ومن ثم نظرت إليه، لأنطق:
ماذا فعلت؟ أهذه دمائي..
لأغرق بعدها في دوامة من الظلام، في مكان أجهله، لا أشعر بمن حولي، أعتقد بأنني الآن ميت أو بأنني لم أُوجد حتى الآن.
صوت من بعيد يناديني، مخلوط بطنين حاد: نادر، ألا تود أن تستيقظ؟
ألم شديد قد ألمّ بي، لم تتضح لي الرؤيا لأرى منن أمامي، لكني أعرف هذا الصوت، يداي مشدودتان للخلف، أين أنا؟
قهقهه قبل أن يردف: لا شك أن ضربة أخي لم يزل أثرها حتى الآن.
أعلم الآن أنه صوت حسام، نعم إنه حسام، لكن من يقصد بأخيه؟ صُعقت لفكرة أن أخ يزن الذي في خارج القرية قد يكون حسام! وجهت نظري مذعوراً ليزن الذي دخل الغرفة ووقف بجانبه لأنطق:
يزن، ماذا يقول حسام؟ أنسيت بأننا جئنا هنا لنحقق خلفه، ورأينا هارون هنا.
أكمل نظره إلي بكل جمود ولم يجب بشيء، توقفت لبرهة أتجرع دموعي لأكمل: أخبر الشرطة أو فك قيدي، لماذا تقف بجانب ذلك المجرم؟ يزن أتصغي لي؟
أجاب وكأنه تحول إلى شخص آخر: من تنعته بالمجرم هو أخي، وبالطبع لن أقوم بأي من ذلك.
ضحك حسام بصوت عالي يتخلخله الجنون ويقول: يا لك من مسكين، أتعتقد بأن كلامك هذا سيؤثر على أخي؟
ليردف يزن من بعدها: لم يخطئ أخي حسام أبداً بما فعل بهم، وبالتحديد هارون، فلو لم يقتحم المنزل ويفتش عن حقيقة عملنا لما انتهى به الحال هكذا.
تسمرت عيناي نحوه، كيف له أن يقول هذا بكل برود؟ وازدادت حيرتي أكثر عندما أكمل: لكن يختلف الحال لديك، فنحن من أحضرناك هنا لنفصح لك عن خططنا بما أن دورك كبير بها.
يا إلهي، أعتقد بأنني وقعت في الهلاك لامحالة، لكوني جزءا من خططهم الآن، لأجيب: وماهي خططكم أو الحقيقة التي اكتشفها هارون قبلي؟
أجاب حسام: أنا أعمل في منظمة مختصة في قتل البشر والمتاجرة بأعضائهم ولكي أبعد كل الشبهات كنت أنتظم بقتلهم بين فترات وأرسلهم عبرك إلى منزلي المؤقت هذا، وبطريقةٍ ما اكتشفها هارون فتخلصنا منه، وبما أنني في عمل مؤقت أردت أن أنهي عملي بسرعة في هذه القرية قبل أن تحدث جلبة باختفاء هارون أو اختفائك وستكون أنت من سيساعدني بذلك.
تملكني صمت قاتل بعد ما قاله ليكمل يزن حديث أخيه بـ: فبما أنك ساعي البريد ومحبوب الجميع وتعرفهم تمام المعرفة ستساعدنا على استدراج أشخاص معينين نريد قتلهم عن طريق كتابة رسائل مزيفة للشخص المراد من قِبل شخص يعرفه إلى مكان ما وستكون إقامتك قسرية هنا حتى انتهاء المهمة.
قاطعته باندفاع : بقاء قسري؟ ماذا تعتقد بأنك فاعلٌ بي، أفقدت عقلك يا يزن؟
تغيرت ملامحه وبدأ كأنه سيقوم بضربي حتى استوقفه حسام ليكمل بحدة: نسيت أن أخبرك بأن والديك تحت المراقبة ومهددين بالخطر بأمر مني لرجل من المنظمة في حال اعترضت على العمل معنا أو قمت بعمل أحمق خلال مهمتك هذه، بذلك ستقضي على نفسك وعلى والديك.
أطرقت برأسي نحو الأسفل، أشعر بأن غليلي يحترق، كيف لمجرمين مثلهم أن يحظوا بحياة بيننا دون أن نلحظهم، تماسكت قليلاً أحتاج فقط أن أتظاهر بأنني معهم لأجيب بحزم: حسناً لكن بشرط، أريد رؤية والديّ للمرة الأخيرة لأخبرهم بأنني خارج القرية ولكي لا أثير ريبة اختفائي فتفشل خططكم.
تبادلا النظرات في حيرة من جوابي ليهمس حسام لأخيه أن يتحدثوا خارج الغرفة، أغلقا الباب، إنها فرصتي، سارعت يداي لتسحب ماكنت أخفيه لأحرر يدي بسرعة بالغة، ماذا أفعل الآن؟ كيف سأنجو من هؤلاء القتلة؟ مهلاً، أتلك مواد كيميائية قابلة للاشتعال، وأيضاً هنالك قداحة بجانب صناديق مركونة بزاوية الغرفة، أعتقد اتضحت الفكرة.
سكبت بكل مكان من هذه المواد، وأخفيت القداحة بجيبي ولازالت السكين الصغيرة بيدي، أصواتهم قد اقتربت، فعدت بسرعة نحو مقعدي، وأدخلت يدي بكومة الحبال ذاتها، دلفا من الباب، واقترب حسام مني وهو يقول : سنريك غرفتك يا عزيزي أولاً ... لم يكمل كلامه فقد غرست السكين في ساقه ودفعته على يزن، أخذ يصيح بصوت مرتفع : لن أتركك تفلت بهذا .
ركضت بسرعة ورميت القداحة ليشتعل المكان، أقفلت باب القبو خلفي وأصواتهم تصدع بمسامعي.
لأهرب بعيداً.. إلى أين؟ لا أعلم، فقد أصبح الآن من مسؤوليتي دفن كل تلك الرسائل البشرية التي أوصلتها وأصحابها، فلا فرصة كانت أمامي حينها سوى أن أقضي عليهم .
وقفت بعيداً عند البحيرة ذاتها، أرى اندلاع النيران وهي تحرق المنزل المشؤوم مع وقت بزوغ الشمس، هل ما حدث لي حقيقة؟
أمعنت النظر بألم عميق التف بصدري، من سيصدق بأن ذلك المنزل سيكون قبرًا آخر للأسرار، ومنهم سري. .
ذرفت دموعي وأنا أتسائل، حقاً ألن استطيع رؤية هارون مجدداَ للأبد؟
لن تكف تساؤلاتي أبداً منذ الآن، لن أثق بمرايا الخير حتى لو كثرت من حولي، لن أثق برسائلي التي أوصلها حتى لو كانت لنفسي. .

طرفة الصوينع
Comentários