دائمًا ما كانت جدتي تُحذرني من الذهاب لتلك العليّة القابعةِ في منزلها الريفيّ الذي بات مهجورًا تقريبًا. كم وددت لو أستطيع إلقاء نظرةٍ عليها، حتى ولو كانت نظرةً خاطفة. لا أنكر أن تحذيرها الدائم لي زاد رغبتي باكتشاف ذلك المكان. كنتُ أخلد للنوم لأحلم بتلك العلية، وأسرح بخيالي لأتخيل كيف تبدو! هل هي كباقي العليّات؟ حيث الصناديق المتراكمة وشبكات العناكب؟ أتذكر توبيخ جدتي لي لأول مرة عندما حاولت إلقاء نظرةٍ على المكان..
صوتها الرحيم العطوف تحوّل إلى صوتٍ مخيفٍ ومروّع!
نظراتها المليئة بالحب تحوّلت إلى نظراتٍ حادةٍ لم أستطع تفسيرها!
كانت تستشيط غضبًا...
لكنّي لن أدع الخوف يسيطر عليّ بعد اليوم، سأستغل أصغر الفرص ولن أفوت فرصةَ إلقاء نظرةٍ على ذلك المكان!
....
خرجَ الجميع، وجدتي في المطبخ تعدّ بعض الطعام لحين عودتهم، يبدو وكأن الفرصةَ قد حانت!
...
تسللتْ ذات الثمانيةِ أعوام حتى وصلت لأعلى الدرج خلسةً، توقفت للحظة، وكأن التردد يخبرها بأن تعود أدراجها وتكتفي بما أخبرتها جدتها. تجاهلت الطفلة ترددها وأمسكت بمقبض الباب، وفتحته ببطءٍ شديد لكيلا تسمعها الجدة المنشغلة بخبز الكعك. دخلت الطفلة مسرعةً وأوصدت الباب خلفها وهي مغلقةٍ عينيها الصغيرتين، أخذت نفسًا عميقًا وبدأت بفتح عينيها ببطء.
...
يا للمفاجأة! تبدو عليّة جدتي تمامًا كباقي العليّات التي كنتُ أتخيل! صناديقٌ متراكمة وشبكاتِ عناكب كثيرة! ألهذا كانت جدتي تحذرني من الدخول؟ يا للطف جدتي! كانت تخشى عليّ من العناكب! ولكن ما ذلك الشيء؟
...
اقتربت الفتاة من شيءٍ لم تستطع تمييزه، استمرت بالاقتراب حتى رأت قطةً بيضاء متسخة، "يا إلهي! لماذا أنتِ هنا؟ هل هجرتكِ جدتي؟" قالت الفتاة. أسرعت القطة إلى صندوقٍ قابعٍ في زاوية المكان وبدأت بالمواء. خشيت الطفلة من أن تسمع الجدة مواء القطة ففتحت الصندوق بسرعة، ظنًا منها أن ذلك قد يسكتها، ولكن حصل ما لم تكن تتوقعه.. ارتفع مواء القطة حتى بدأت الآلام تتغلغل في رأس الطفلةِ الصغير الفضوليّ. بدأت الطفلة بالبكاء والصراخ.
"ج جدتي!"
"جدتي! س س ساعديني أنا أنا هنا!"
"رأسي يؤلمني ما الذي يحدث! ت توقفي عن المواء أيتها القطة!"
أتت الجدة مسرعةً رغم كبر سنها، ولكن كيف لها ألّا تهرع لطفلتها الصغيرة؟ أخذت الجدة بيد حفيدتها وخرجتا من الغرفةِ بسرعة. كانت الطفلة تبكي وترتجفُ من الهلع الذي تملكَها، "ما كان ذلك يا جدتي؟" قالت الطفلة في وسط بكائها.
أخذت الجدة الطفلةِ في أحضانها وبدأت تمسح على رأسها وهي تعلم في قرارةِ نفسها بأن الوقت ليس مناسبًا لأيّ لومٍ أو توبيخ، ثم قالت: "لا أعلم يا صغيرتي... كان والدايَ ينهراني في كلّ مرةٍ أحاول الدخول... حتى غمَرني الفضول ولم أعد أحتمله.. كنت في سنكِ كذلك، لا أعلم لمن تلك القطة، ولا أفهم سر بقائها على قيد الحياةِ إلى اليومِ بلا أكلٍ أو شرب.. ولكن الشيء الوحيد الذي أعلمه.. أن هذا المكان يصيب كلّ من يدخله بالهلع والخوف، فيدخله الشخص وهو ممتلئٌ بالحماس والفضول، ويخرج منه وهو مرعوبٌ وخائـ---"
"أريدُ بعض الكعك!" قاطعت الطفلة الجدة بطلبها اللطيف.

رغد العمر
Comments