من أمام المرآة أرى حالي الذي تبدّل كمجيء الصبح بعد حلك الظلام، آهه يا لها من سنين مضت، لم يُضأ فيها صبح ولم يكتمل فيها بدر، أدير رأسي لأكمل حديثي لصديقتي سمر التي لم أجتمع بها منذ سنتين لكنها كعدة قرون مررت بها..
أحدثها قائلة : شكرًا لكِ، وأنا أعني هذه الكلمة حقًا، فحينما فقدت أعز شخصٍ كان ينير لي حياتي، وخسرت كثيرًا من الأشياء من حولي، بقيتِ أنتِ يا سمر كضوءٍ ينتظرني، والآن هنا أمامي تسمعينني، سأخبرك أولًا بما جرى لحالي، في بادئ الأمر كنت متقوقعةً على نفسي في غرفتي التي من شدة ضيق صدري تكاد لا تسعني، أصبحت لا أحب الزيارات، ولا رؤية الأشخاص، فكل نورٍ من حولي انطفأ بعد فقداني لوالدي، كنت أساوم على صحتي مقابل أن ترّد روحه أو أن يزول هذا الألم بأكمله، تساقط شعري الذي يتفق من يعرفني أنه رمز جمالي، يا لها من أمورٌ تحدث وهي ليست من صنع أيدينا لكننا ننطوي على أنفسنا آملين نزع ذاك الألم كاملًا، ولسنا نعلم أن السر يكمن بالنهوض، نشّد قبضة أيدينا وهي للأسف مملؤة بفراغ!
في كل ليلة مررت بها أمسك هاتفي لكي أبعث برسالةٍ لأحد ما، تتسارع خطى أفكاري و تتبعثر الكلمات، تزاحم رأسي تود الخروج ! لكن لا أستطيع سوى أن أبتلعها و أستبدلها بتنهيدة عميقة وأغلق الهاتف ككل مرة.
في يومٍ ما من أمام مرآتي كعادتي -متأملةً ظهور انعكاس والدي لكي أخرجه للحياة- ظهر لي انعكاس طيفٍ أفزعني، وغدوت أصرخ أصرخ بعالي الصوت، حتى أخذ يهدأني ويقول لي : لا تقلقي أنا هنا لأساندكِ!
تبدلت صرخاتي فجأةً بضحكات سخرية وقلت : لتساندني ! وماذا تريد أن تفعل أيها الطيف المختبئ بالمرآة؟
سألني قائلًا : ماذا لو أردتِ جهازًا يصنعُ لكِ! ماذا ستطلبين ؟
ضحكت بسخرية مرة أخرى وقلت : وهل تستطيع أن تأتي لي بجهازٍ يغسل هذا الألم عني؟ كانت أمنيةً عابرة لكنه جاوبني بـ : ربما، لم لا؟ سأفعل ما بوسعي. يالها من أمنيةٍ كانت مملؤة بقلة الحيلة، جلّ ما كنت أريده تلك اللحظة هو جهازٌ كحجم كف يدي لكنه يحوي كثيرًا من الألم، مليئًا بالأسلاك من كثرة التفكير، جهازًا يفك عقدة حاجبيّ،
ويسمح لخصلات شعري أن تنطلق باحثةً عن الحرية وتلامس الهواء.
لم يكن الألم يا سمر ما يظهر على الجسد من كدمات أو جروح فقط، قد يراكِ من حولك كالثمرة اليانعة. لكنّ قلبك يُعصر دمًا في كل لحظة، غاب الطيف يومين وأنا على انتظار...
عاد لي فجأةً ذات ليلة وهو قائل : إنّ صانع الجهاز يقول: عذرًا تنقصنا قطعةُ تسمى النسيان . هنا توقف صنع الجهاز ، وبدأت رحلة التعايش.
روان الرشود
Comments