top of page
شعار مداد.png

مذكرات في الغربة

على هامش الأحداث تكتب باستمرار في غرفتها القصيّة التي تُبعدها عن كل ما يصلها بوطنها الأم، ما تحاول أن تتصالح من خلاله مع الأحداث الصعبة التي داهمتها في بريطانيا، فحجزتها عن العودة لبلادها. ومع ضغوطات العمل، وألم العزلة، ووجع الغُربة.. لم يكن هنالك سبيل لمواجهة كل هذه المعارك في آن واحد. وقد تنامت الأنباء عن استحالة النجاة، وتهيّأ الناس لفقدان أحبابهم!

كل هذه التداعيات المرعبة، جعلتها تختار أن تعتزل العالم الخارجي ذاتيا، فلم يتبق للمقاومة والصمود أمام طوفان الخوف الهادر سوى الحصن الأخير وهو التعبير على الورق!

بدأت رنا تكتب كل صباح عن يومياتها ومشاعرها لتقطع شوطًا من النهار الذي تقضيه وحيدةً، ثم تكمل ما بدأته مساءً لتفرّ من أشباح المخاوف الموحشة.. وفي كل مرة لجأت فيها للكتابة؛ كانت تشعر بأنها أكثر قوة وحصانة من أن يتسلل إليها القلق، أو أن تنهار قلاع صبرها.

بعد قرابة شهر ونصف اجتمع لرنا ما يُقارب مئتين وخمس وعشرين صفحة لمذكراتها التي كتبتها خلال خمسة وأربعين يومًا. بحثت عن دار تتيح لها فرصة النشر الكترونيًا.. وقعت العقد مع إحدى الدور القليلة التي استمرت تعمل في هذه الظروف.

وقبل أن تسلم نسخة من مذكراتها؛ انتشرت أنباء عن مؤتمر صحفي عاجل، وظهر وزير الصحة طالبا من الجميع ضبط النفس، فليس هناك داعٍ لإساءة الظن بفايروس وديع ككورنا، الفايروس الوحيد الذي أثبت نواياه الحسنة في سلالة الفايروسات السابقة له في شجرة العائلة التليدة.

توارى الوزير وأتاح لكورونا فرصة التعبير عن موقفه، ظهر كورونا بثياب بيضاء مطأطئًا رأسه.. انفجر باكيًا.. ثم تحدث بصوت ملؤه الحزن: كان خطأً خارجًا عن السيطرة، لم أكن أريد سوى لم شمل العوائل والأحباب في بيت واحد، لم أكن أعلم أنكم ستصلون إلى هذا الحال من التباعد القسري، أعدكم أني سأصلح كل شيء إن منحتموني فرصة أخيرة.

عمّ البلاد غضب شعبي؛ عبّرت رنا -خلاف الناس الذين اتجهوا لمواقع التواصل الاجتماعي- عن غضبها في جزء جديد من مذكراتها، وكتبت بأسى: ما أحدثه كورونا لم يكن خطأ بسيطا بل خطيئة لن تغتفر في حق البشر.. وتساءلت: هل سيمنح الناس كورونا فرصة إضافة قد يسيء استغلالها بعد هذه الفوضى التي أربك بها العالم بأسره؟ بعد أن خسر الناس كثيرًا من وظائفهم وأحبابهم وحياتهم الطبيعية؟


أكملت رنا مذكراتها في مئة يوم بعد هذا الظهور المسرحي لكورونا، لم تعد الحياة طبيعية بعدها، هذا يؤكد أن الأخطاء ليس كلها قابلًا للإصلاح، وأن كورونا ابن وفي لأجداده الشرسين. بعد عدة أشهر غدر كورونا بالناس العُزّل، وتحوّر في صورة أخرى أكثر شراسة؛ فتبخرت أماني الناس بحياة طبيعية، قررت رنا قتل يأسها، فوجهت طعنة نافذة لكورونا بالقلم الرصاص، اختتمت بها أسطر مذكراتها.


دلال آل مبارك


٣٧ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

bottom of page