top of page
شعار مداد.png

مسرح الدمى

اعتقلت لسبب أجهله! لم أعتقد أبداً أن كتابة الكتب ممنوعة أو مخالفه للقانون، طلبتُ توكيل محامٍ لي لكنهم لم يقابلوني إلا بنظرات ‏مشمئزة ومستحقرة، ما الخطب؟ لم أستطع قول شيء ففور دخولي للزنزانة الباردة والمقززة انهالوا عليّ بضرب مبرح فوق تلك الأرض القذرة وبأحذيتهم الصلبة، دون أن أعي حتى ذنبي العظيم الذي استحق هذا العذاب، فقدت إدراكي لما حولي بعد أن أدمي وجهي، ما إن استيقظت بعد مدة أجهلها كان أول ما قابلني محقق نال الشيب من شاربه الكثير حتى بات رمادياً، ارتعبت من نظراته التي اخترقت روحي، شعرت بالخوف لدرجة أنني تقيأت، لم يندهش وكأنه اعتاد سلب أمان الناس من جوفهم بنظراته فقط.


أمسك بي من قميصي ليرفعني غير مبالٍ بحالتي التي يرثى لها، ساقاي الهشه لا تحملاني وقلبي يرتجف ألماً وخشيه، جفلت فور سماعي لصوته الخشن الجاف من كل معاني الرحمة "هل أنت من كتب تلك القمامة؟" همس بتلك الحروف وأومأت بالسلب فوراً دون أن أعرف أو أسأل ما يعنيه لا أريد أن أضرب مجددا خصوصا من هذا المجنون الذي يحملني بيد واحدة، أشار بيده الأخرى نحو طاولة التحقيق التي لم أنتبه لها من هيبة حضوره، وفور التفاتي نحوها رأيت مغلفاً مألوفاً، إنه كتابي! كتابي الذي لم أفرح بنشره أسبوعاً إلا وألقي القبض عليّ "أجبني يا لعنة الأرض هل أنت من كتب ذلك الهراء؟ "هراء؟؟ أيسمي إبداعي هراءً؟ بالطبع لن أستطيع الرد فأنا بالكاد أتنفس إلا أنني ولإنقاذ حياتي أجبت بنعم، ولم أنهِ حروفها حتى أتتني لكمة أردتني طريح الأرض، تمنيت أن أفقد الوعي الآن حتى لا أشعر بالألم أو لأهرب من يد هذا المختل على الأقل.


صرخ بعلو صوته مزمجراً بي لأنهض، رفعت جزئي العلوي أحاول الحديث لكن كل ما يخرج من شفتاي هو نحيبي "ما الذي قصدته بتحريفك للكلمات وشعوذتك التي طبعتها على صفحات أسميتها كتاب؟" لم أفهم لمَ يهين كلماتي التي حرصت أن أخرجها للعالم بعد أن اعتنيت بها جيدا، إنهم أطفالي اللذين قررت تربيتهم بين السطور، لكن وللأسف لا أجد رداً قد يلجم جماح هذا الثور الهائج أمامي، التزمت الصمت لأني سمعت في أحد المسلسلات أن الصمت أثناء التحقيق يقوي موقفك أمام القضاء، وكل ذلك للأسف من وحي الخيال لم يكن صمتي إلا وقوداً يُسكب فوق اشتعالهم ليزيدوا بعذابي خصوصاً ذلك المحقق الذي اكتشفت أنه ذو صيت وسمعه وتم طلبه خصيصاً لي من أجل أن أعترف بشي لا أدركه ولا أعلم ما خطبهم مع كتابي، حتى أنني سمعت إن دار النشر التي قَبِلت نشر كتابي قد تم إغلاقها وحرقت جميع النسخ التي كانت فيها، كل من يحمله بين يداه يلقى القبض عليه وكأنه سلاح أو حتى فايروس خطير، لم أتخذ رد فعل غير البكاء، فما الذي يتوقعونه من شخص لم يتجاوز الواحدة والعشرين من عمره؟ أنا حتى لن يتسنى لي الاحتفال بيوم مولدي الشهر القادم!


اليوم صباحاً تواجد كابوسي في زنزانتي يريني سجلاً أحمرا يملك بداخله أسماء أبشع الجرائم والمجرمين واحزروا ماذا؟ لقد تصدر اسمي اللائحة! لما؟ كالعادة الكثير من الأسئلة في ذهني ولا إجابة لها، كل ما أعلمه أنني أقف أمام القاضي محكوماً عليّ بالحبس المؤبد بزنزانة منفردة مع الأعمال الشاقة والعلاج النفسي بالصعق الكهربائي وتحت رقابة مشددة دون السماح بزيارتي، ليس وكأنني حزين على الزيارة فلا أعرف أحداً ولا أملك عائلة، لكنني فقط أشعر بالظلم الشديد، ما هو السبب في انقلاب حياتي؟ ولمَ سلبوا كتابي نور ولادته؟ بعد ثلاثة أشهر في جحيمي أخبرني طبيبي أنه ليس من الطبيعي أن أنشر كتاباً يتحدث عن التلاعب بالافكار وغسل الدماغ وتحطيم الذات والقتل البطيء، لقد بالغوا في وصف كتابي بسوء هو فقط يتحدث عن الموت دون ألم وعن كيفية استخدام اللاوعي لأغراض مفيدة مثل الانتقام فالظلم سيء، أردت إخبار العالم أن هناك شيء مؤلم أكثر من الألم الجسدي.


كنت أنوي خيراً لكن ما كان جزاء بادرة الخير التي قدمتها للعالم؟ الرفض والاستحقار للأسف، سُلبت حريتي وتهشم جسدي وفقدت عقلي في محاولةٍ لإثبات برائتي، كل من أراه هو طبيبي والمحقق المجنون والحراس المشرفين على زنزانتي، كانوا يكفون لأرد شيئاً مما ذقت فأنا انتقمت لكتابي الذي دفن حيا وبرهنت فائدته وطبقت أفكاره على محقق العداله الذي يعيث فساداً في الخارج مشوهاً بيديه كل الأمجاد التي جمعها لنفسه دون أن يعلم أحد أنني من يحرك خيوط الدمية من خلف الستار.

صالحة القحطاني



١٤ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

bottom of page