top of page
شعار مداد.png

هل صنعت موسيقى الماضي أعزوفة الحاضر؟

لقد أحسنت تربية نفسي مع كل الفضل بعد الله إلى أسرتي العزيزة، لكني فعلًا هذبت ذاتي، نهرتها عن الخطأ واعترفت به، جاهدت وقاومت رغبات البؤس والكآبة أن تعتريني حتى وصل بي الأمر أن خلقت عالمًا آخرًا لرسم ابتسامتي. لم تكن طفولتي ممتلئة بالحلوى والدمى فقط، تجارب الدنيا ودروسها أتتني في سنين متقدمة من حياتي.


لطالما كنت الأسبق في كثير من الأمور، لن أذكر تفاصيل الماضي فلا أعتقد أن باستطاعتي أن أتحدث عنه دون مبالغة في مشاعري، سأصف حتمًا كل ما حدث بطريقة شاعرية قد تصنف كتلاعب عاطفي، وربما ليست مبالغة ولكني في الحقيقة أقرر بعد كل معركة أخوضها أن أكون ناجية لا ضحية وأخشى أن أتقمص دور الضحية حين أسرح في الماضي.


عشتُ حياتي في فكرة بارزة أعلى من الأخريات، أني ضيف غير مرغوب فيه، أو أن وجودي لا يشكل فارقًا كبيرًا فاختفائي لا يُلاحظ. نعم لقد تمت تنحيتي جانبًا للعديد من المرات مما جعل تلك الفكرة تزداد قوةً وارتباطًا بعقلي، وألماً في قلبي.


اخترت أصدقائي بشكل سريع في كل مراحلي الدراسية خشية أن ينتقي الجميع أصدقائهم وأبقى وحيدةً في النهاية، ومن المثير للسخرية أن من بدأت بالتقرب هنا هي من تعجز عن الحديث بعد قبول الطرف الآخر لتكوين صداقة لطيفة معها. لم أكن اجتماعيةً مطلقًا، بل وكان ذلك سبب للسخرية مني، ولكن الخوف كان صاحب المواقف البطولية ذات الدافع القوي، يجعلك تفعل المستحيل.


ذكرياتي مع الخوف لا تقل سوءًا هي الأخرى، دفعني الخوف مرةً إلى إنهاء وليمة عزيزةً على قلبي كُنت في قمة سعادتي في بدايتها لتتحول إلى كم من الإحراج والتبريرات الواهية لتصحيح الموقف، كم تمنيت يومها لو أن أحدًا سألني بكل حنية عن سبب صراخي.


وها هو شعور آخر بداخلي وفكرة أخرى تصبح مصدرًا للسخرية مني. آه ما أسوء لحظات الضعف دون وجود أي أحد أرتمي بين يديه في عُمري الصغير ذاك. الحياة دروس وأنا بدأت في تعلمها من عمر صغير جدًا وقررت على إثرها ألا أجعل اللحظات غير المحببة لقلبي تدوم طويلًا، فالعمر يمضي والحياة ستنتهي عما قريب وسأكون حمقاء إن لم أمضي مع مُضي الزمن فيها.


لا تتوقف الدقائق كي أبكي قليلًا، ولن يوقف بكائي الطويل أي ثانية أو لحظة. لقد تعلمت منذ طفولتي أن أصفح وأعامل الدرس كموقف لا كأشخاص تأذيت منهم ثم أتناسى وأنسى. لا طفولة مريحة ولا مراهقة صحيحة ولا نضج مناسب، أأسخط؟ ما الذي بيدي أستطيع القيام به؟ تلك هي حياتي، وهكذا أرادها الله. في كل مرة أُعيد تدوير التناسي والنسيان تتجدد أمور في حياتي تجعلني أتساءل إن كانت موسيقى الماضي هي المتسببه في أعزوفة الحاضر.


تواصل ذاتي بشكل غريب جدًا القيام بمهمة التغاضي عن كل شيء. تخبرني.. لنبدأ من جديد، ولنحاول ثانية ومليون، تخبرني أن الحياة ليست مثالية، وأعلم ذلك، لكنها دائمة الاستعداد لتقديم الأسباب لكل شيء عدا سببها للقيام بكل هذا. تعبت سئمت أُرهقت، أصرخ كثيرًا وأنتحب في بكائي، مؤلم لي أن أراني هكذا، لكنها تغض بصرها عن رؤيتي حين أُعاني. تتجرع الخوف من كل شيء إلا فقدي فتُسرع في احتوائي وتُطيل عنائي بعد ذلك.


ويتردد على ذهني في كل مرة سؤال واحد "هل موسيقى الماضي صنعت أعزوفة الحاضر؟" أين أجد إجابة ذاك السؤال؟ بل هل سيحتويني الجواب مدة أطول من ذاتي؟ هل ستنتظم أفكاري؟ هل أنا حقًا أود أن أنسى وأتناسى أم أنني اعتدت استهلاك نفسي في تلك الدائرة فأصبحت العادة حياتي؟


أجيبيني ذاتي أرجوكِ فأنا أكاد أفقد عقلي للبحث عن إجابة مقنعة، لماذا تتجاوزين علي؟ لماذا التغاضي عن كل شيء؟ منطقك حِكمة، ونُصحكِ واعٍ، تنظرين إلى أضيق زوايا الأمور لتُبدي رأيًا مناسبًا. أنتِ عظيمة ومميزة وحكيمة لدى كل من حولك، فكركِ سليم واهتمامك مذهل، فلما لا أحظى بذلك منكِ؟


نفسي.. أنا هي أنتِ، أرجوكِ أنا أتألم فارحميني.


نورة العتيبي



١٣ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

bottom of page